الضجة الإعلامية الأخيرة، والتحشد الجماهيري، بل وما زامنه من نزلات في فرنسا ما هو إلّا قمة جبل الجليد المموهة لما يعوم تحته من شبكة معقدة من التدافعات الجيوسياسية التي في حقيقتها لا تمت بصلة لما يبدو في ضجيج المشكلة، أو ما يحاول الإعلام والخطاب السياسي تغليفه والترويج له. أول أبعاد المشكلة يعود لما يحدث في انقلاب هيكلية الاتحاد الأوربي المتمثلة بخروج المملكة المتحدة من الجسد الاتحادي، ومن ثم الجنوح التركي المريب في حوض المتوسط وما يمثله من مخاطر محدقة على الهيمنة الفرنسية. أي أن المشكلة التي تبدو أنها مشكلة اجتماعية، إسلامية، تطرفية تلبست، بما تدعى قيم الجمهورية الفرنسية، لا تمت لهذه بصلة. لما تُدعى، أقول وأقصد بها أن العلمانية أصلاً ليست ركناً من أركان الجمهورية، ولا حتى شعار من شعاراتها المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الدستور الفرنسي، إنما تعود للمادة الأولى القاضية بأن «الجمهورية واحدة، علمانية، ديمقراطية واجتماعية»، تضمن بالرغم من ذلك المساواة بين الجنسية، العرقية، والدينية، بل وفوق كل هذا تقوم على أساس التآخي. هذا التحليل يحاول فك شفرو النزاع وتسليط الضوء على ابعاده الدفينة الجيوسياسية في سبيل الهيمنة المدفوعة أساساً من قبل السُّعُودية وبتحريك فرنسي للوثبة والهيمنة الأورو – عربية.