رئيس المجلس الإسلامي الإسباني المُنتخب
تلقيت، بتردد، خبر إنتخابكم رئيساً للمجلس، فلم أتوقع الخبر، وبالرغم من رسالتي الهاتفية لكم قبل بضع ساعات، لكني إرتأيت “تعزيتكم” بهذا الخبر من هذا المنبر، لما في هذه المهمة المَهولة من ثُقل وأمانة أصابت عاتقكم الطيب، فمع الطيب وعبء الأمانة، أسأل الله لكم المعونة على هذا المصاب وأداء هذه المهمة الصعبة.
بالرغم من هذا يا صديقي العزيز، إرتأيت أن أرفع هذه العبارات من هاهنا، بالرغم من أني لست بصحفي ولا أقل من ذلك، لكني إعتدت مؤخراً على هذه المصائب بين الأحبة، هذاك الذي ذُبح بغير سكين فصار قاضياً، وهذا الذي صار وزيراً، بل الآخر الذي صار رئيس وزراء، أو حتى رئيس جمهورية أعانهم الله. لكن من منابر العوام هذه أطرح الرأي والنصيحة لا بُغية رسم الخُطى ولا أقل من ذلك، والعياذ بالله، لكن لما في هذا من تعميم الرأي ومشاركته وتبرءة الذِمَم.
فيا صديقي العزيز أماماكم مؤسسة عقيمة، لا تملك سوى إسمٍ بلا مسمى، وهوية بلا تزكية، إضافة لما أنتم، طبعاً، أعلم بمصائبها، تنئى لأدني سمات قرائنها، فقد أصبحت كما يقول المثل «حائط نصيص»، محط نقد كل سفيه وسؤال كل جاهل. لكن إسمح لي أن أزيدكم من الشعر بيتاً فأذكركم بما دار بيننا ذات مرة في مشاكل مؤسستكم هذه:
- البيت العربي الذي سحب البساط من تحت مؤسستكم وإنتحل صفتكم فصار منبراً موازياً وصوتاً عاليا يتبارى مع صوت المجلس الإسلامي، بغير صفة قانونية ولا وضيفية، فهذه مشكلة عملية حلها القانوني يقع الآن على كاهلكم لا محالة.
- مشكلة المقابر المعلقة، والتي لم تزل بلا حل بسبب سوء فهم قانون البلاد والميثاق الإسلامي العقيم، والتي يجدر السعي لحلها بضمان نفاذ القانون في مقابر للمسلمين من جهة، ومن ثم إقامة مقابر إسلامية مستقلة تحت راية المجلس، وهذا هو الأصل والأساس، وقد سبق لي وإن تطرقت لهذا الأمر من قبل.
- تأريخ المسلمين في إسبانيا والصورة النمطية للإدارات العامة. فمن يسيطر على الماضي، يا صديقي، يتحكم بالمستقبل، وما زال كلُّ قوم يكتبون ويتحكمون بتأريخهم، إلّا المسلمين؛ فحتى ما يتولى مجلسكم هذا تشكيل مركز دراساتٍ يتولى على عاتقه كتابة تأريخ المسلمين في إسبانيا، توثيق وجودهم، بل وترجمة القرآن وردعِ كُل دخيلٍ على تاريخ الإسلام الثقافي، لن تتغير الصورة النمطية سواء كانت المؤسساتية أم المجتمعية. فلم يكتب مسلماً تأريخ اليهود هنا، ولم يترجم يهودياً الإنجيل، لكن مازال هذا وذاك يكتب تأريخ المسلمين ويترجم القرآن ويتوصّى على المسلمين بغير وصاية. فقد آن الأوان للصحوة وأن يتولى المجلس المهام، سواء كان تلك المناطة به بموجب الميثاق، بل وحتى للسعي لتعديل هذه الميثاق العقيم وإنهاء وصاية الغير على المسلمين.
- الشروع بتشكيل فريق دراسة إقرار ميثاق إسلامي جديد يتماشى مع وضع الزمن ومتطلبات المرحلة وينظر في أخطاء الماضي، سواء كان بطرح مشروع ميثاقٍ جديد، أو بتولي الإجراءات القضائية بغية تأطير هذا الميثاق مع سياق الدستور والمفاهيم المعاصرة.
- لن أطيل عليكم، لكن هذا آخرها، وهو ما سمي بموضوع التعليم، وأنتم أعلم بهذا وشعابه، بل ويأتي في ثنايا الأمور الآنفة، فقد سمعتم ما شرعت به بعض الجامعات “الكاثوليكية” بإقرار برامج إعداد أساتذة للتعليم الإسلامي، فهل يقبل أقباط مصر أن يُجيز الأزهر أساتذة الدراسات القبطية؟ أم سيستمر السكوت على هذه الإهانات وسحب البساط من تحت مجلس لم يتولى مهامٍ أُنيطت به منذ عقود؟
وخاتمة القول يا سيدي، أُذكركم بمثل إسباني يقول
«Con la ley en la mano puedes fastidiar a quien quieras»
فالسؤال، بل والمُهمة تكمن في سعيكم لفرض قوة هذا القانون، أي إما بأن يكون هذا سرداً آخر مما كان عليه الحال، أو أن يكون صفحة جديدة في التأريخ إبتُليتم بخطها وهي أمانة أسأل الله لكم الثبات وتذليل صعوبتها، يا صديقي!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته