المقابر الإسلامية شيئ ومقابر المسلمين شيء آخر مختلف تماماً
ملخص: مقابر المسلمين أمر، والمقابر الإسلامية آخر، لا يجوز الخلط في الألفاظ، فالأول حق قانوني مضمون لكن يتنافى مع مقتضيات الشريعة يجدر التحذير منه.
في اللغة الإسبانية يوجد مفهوم لا مقابل له بالعربية يقول «la batalla por el relato»، يمكن رُبما فهمه بالعربية على أنه سِباق المنابر، أو تدافع المفاهيم. وهو بالضبط ما حلّ بزمننا هذا إبان جائحة كورونا، وطبعاً سباق العضلات والمُمثليات، بل والمتاجرات.
الأمر يحتاج إلى تفكيك في حيثية المقابر الإسلامية من الناحية القانونية الإسبانية، ومن ثم الشرعية الإسلامية.
أولا من حيث الناحية القانونية، فيما يخص صلاحية المقابر، هذه كانت تعود لعدة هيئات من بينها الكنيسة، وغيرها من المؤسسات المدنية، تحولت بحلول الديمقراطية بموجب قانون المقابر المحلية رقم 49 لسنة 1978 القاضي بمادته الأولى إلزام جميع البلديات بضمان حق الدفن بغير تمييز ديني ولا أيٍّ آخر. وهذا الحق ثابت للجميع من قبل صدور الدستور الإسباني نفسه، فقد صدر هذا القانون قبل الدستور بشهر، ولا علاقة أصلاً لاتفاقية المجلس الإسلامي بهذا، ولا دخل لأي بطل من أبطال المنابر فيه. جميع البلديات ملزمة باتخاذ مقبرة بلدية لسكانها، وملزمة بقبول دفن جميع الموتى بغض النظر عن أعراقهم، أديانهم، وهوياتهم، بل وبما يتماشى مع كل ذلك. أي ملزمة بأن تحدد مساحات من المقابر لكل ديانة ومعتقد، وحتى لمن لا ديانة ولا عقيدة له، إن رغب أن يدفن في أرض محايدة.
أما من الناحية الشرعية، فما ثبت عند أهل العلم، وباتفاق جميع المذاهب (الأربعة)، هو عدم جواز دفن المسلمين في غير مقابر المسلمين، وإن عُزل بينا. أي أن الحق القانوني المضمون في القانون الإسباني الحالي لا يتوافق مع شروط الشريعة الإسلامية. ففي هذا الأمر سُألت اللجنة الدائمة في دفن مسلمين اليونان في هذه الأجزاء من المقابر المشار إليها آنفا، فأقرّت بعدم الجواز (الفتوى 180576). واستدلوا بذلك على اتفاق جميع أهل المذاهب فيه، فقال إبن حزم الأندلسي، رحمه الله «عَمِل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يُدفن مسلمٌ مع مشرك»، استدل بذلك من حديث بشير بقوله «فصح بهذا تفريق قبور المسلمين عن قبور المشركين» (المحلى 5/146). بل واسترسلت اللجنة بذلك بالقول «وإذا كانت مقبرة المسلمين يحوطها سور المقبرة الأصلية للكفار : فالحكم واحد في الحرمة وإن تباعدت قليلا وفَصَلت بينهما طرق !».
فمن شاء اليوم أن يتربص بالمنابر ويبرز انتصاراته وتمثيل المسلمين أمام البلديات مطالباً بتحديد مقابر إسلامية داخل المقابر البلدية، إضافة لنفاقه وكذبه، فهذه المقابر موجودة منذ قبل قيام الدستور، وتتنافى مع أصول الإسلام. شيئ أن تكون مخصصة للمسلمين كحق قانوني لأعضاء المجتمع على حد سواء، إلا أنها لا تتوافق مع شروط الشريعة، وما هي إلا مقابر للمسلمين، وليست مقابر إسلامية، فالفرق شاسع، ومن سكت عن هذا، وتناقل هذا النفاق، ودفن مسلماً فيها بغير علمه، فذنبه على أزره، وبراء أمره من الإسلام.
أما وقد تناقل بعضهم مقاطع صوتية تطلب تقديم طلبات إلى المجالس البلدية، باسم مؤسسة معينة، مُعرباً عن رغبته في أن يُدفن في هذه المقابر المختلطة، فإضافة لما تقدم، يجدر التنبيه له، أن هذه الطلبات يجب تسجيلها في سجل الوارد الإداري( Registro de Entrada)، ولا يمكن مجرد إرسالها بالبريد ألإلكتروني، فهذا هراء قانوني لا أصل له، وما أكثر الهراء هذه الأيام. فمن أراد أن يخالف شعائر الإسلام، وما نقله أهل العلم، ووافق عالماً بأن يُدفن في هذه المقابر المختلطة، فذنب على جنبه، لكن هذه الطلبات يجب أن تسجل رسمياً في سجل الوارد، ويمكن أيضاً توثيقها في الوصية، وإيداعها لدى الكاتب العدل في سجل الوصايا (Acta de Ultimas voluntades)، لتنفذ بعد موته حسب رغبته.
وأما مسالة الحاجة الطارئة الحالية، وحيث أن اغلب الطيبون كانوا غافلين في متاع الحياة الدنيا، والآن في وسط الجائحة تفاقم الأمر، فأن الشريعة الإسلامية والقانون الإسباني كلاهما يجيزان الدفن المؤقت، أي الإيداع، حيث يمكن إيداع جثمان المسلم أينما كان، في هذه البقع المختلطة مثلاً لحين أستتاب الأمور وإعداد مقابر إسلامية صِرفة، يمكن نقل الجثمان إليها ليوارى في ديار المسلمين، أي مقابر إسلامية معزولة ومُخصصة لذلك. فأنك تتخذ مقبرة مخصصة للمسلمين أمر، واكرر، وأن تتخذ مقبرة إسلامية الأمر مختلف تماماً!
بل ويجدر الإشارة لما شاع من أبطال المنابر والطيبين ممن يطالب البلديات برفع، أو إلغاء أو استثناء شرط الإقامة في بلديتهم لدفن مسلم من بلدية أخرى. فبالرغم من كل ما تقدم، لإن هذا أمر شنيع. فكل بلدية مُلزمة بقبول جميع موتى سكانها أو من يرتبط بهم، فإذا ما قمت بالضغط على بلدية معينة لإقرار استثناء ذلك، فمن جانب أنك ستسبب خلل في النظام، حيث ستكبل منطقة عبء أخرى غير ملزمة بها، ومن ثم أنك ستخلق سابقة قانونية بأن تلزم بلدية بقبول الجميع بغير إلزام، وترسخ رفض الأخرى لتنفيذ مقتضيات القانون، وفي نفس الوقت كلاهما يخالف مقتضيات الشريعة الإسلامية، فهل هذه بطولة أيضاً؟