This post is also available in: Español (الأسبانية)
الملخص. تعليم الإسلام في الدول العربية والإسلامية لا يكد أن يكون تحفيظ لبعض نصوص القرآن الكريم وبعض من الأحاديث الصحيحة ليس إلّا. وأما ما خرج لنا به تجار الدين اليوم بمشروع تعليم الإسلام في المدارس الإسبانية فلا يمُت لهذا بصلة، إنما هو تعليم عقائدي مُمنهج بإعداد جامعات اليمين الكاثوليكي، أي أنه غسل مُفتعل لعقول الأجيال ودس للسم بالعسل؛ الأولى تعليم اللغة العربية كمفتاح أرتباط أممي وهوية عقائدية وتقارب فكري مع غير المسلمين أيضاً، يجب الدفع به لرفض مشروع الإتجار والغسل الفكري المزعوم.
لم نكد ونحن نَبيتُ في هذه البلاد التي طحنا فيها بين المطرقة والسندان، بل وأكثر من ذلك وياليت وإن اكتفى الأمر على أن نكون بين إثنين. فمن جانب بلاد الأصل وجبروت حكامها الذين لم يكتفوا بحكم بلادهم بل تزعموا ولاية الدين الأممية ليطولوا بها أفكار العباد وثني انتماءاتهم الفكرية تحت طائلتهم حتى في المهجر، ومن جانب أبناء جلدتنا الذين صاروا تجار دين وشعوب، يتاجرون بالدين في بلاد العرب وحتى في المهجر مُدعين وموكلين أنفسهم لتمثيل المسلمين بغير تمثيل ولا ولاية لأمر ولا حتى منهجية بنّاءه؛ ومن ثم حكومات هذه البلاد التي وقعت بين مطالب تجار الدين وضغط الحكومات الولائية مُدعية الوصاية على المسلمين وإمارتهم الأممية.
فما دار قبل أيام من خبر الشروع بتدريس الإسلام في إقليم كاتالونية لهو كارثة لا سابق لها إن صحت فعلاً تكون قد نزلت على المسلمين في إسبانيا اليوم فاجعة أكبر من فاجعة مرسوم طرد المورسكيين بل وأوامر تعميد المدجنين. والسبب، بل أسباب هذه الفاجعة يكمن في التالي:
أولاً. من حيث المنهج.
كلنا يعلم أن تعليم الإسلام في الدول الإسلامية، أي بلادنا الأصل بالرغم من تسميته بتعليم الإسلام، إلّا أن منهجية التعليم هذه تقتصر على حفظ النصوص فقط، لا غير. أي أنها تهدف إلى تحفيظ الطالب بعض من آيات القرآن الكريم، غالباً وحسب كل بلد هذه الآيات الكريمة تكون مقتطفات من جزء عَمَّ، الهدف منها تحفيظ الطلاب ما ينفعهم في صلاتهم ومناسكهم، وتعليمهم أصول القراءة القرآنية، وكيفية تصفح القرآن الكريم والتأدب بأدبه. وأما من حيث الحديث، فغالباً ما يقتصر الأمر على حفظ بضع من الأحاديث الصحيحة الأساسية، أو جمّ الأربعين النووية، لا غير.
أمّا ما جاءنا به اليوم تجار الدين بدعوى تعليم الإسلام في المدارس الذي يطالبون به فلا علاقة له بكل ما سبق لا من قريب ولا من بعيد. فالمنهج المُقترح يقوم على إملاء تعاليم عقائدية تتفق مع منهجية معينة، في الأغلب لا هي منهجية سُنة ولا جماعة، إنما يسود عليها الفكر الإخواني التي تحتضنه أوربا، ويطرد جملة النصوص الأصلية من التعليم برفضه تعليم نصوص القرآن. أي في الحقيقة هو تعليم موجه لغسل الأفكار وزرع منهجية لا علاقة لها بنصوص الإسلام، كان الأجدر تسميته بتعليم الفكر العقائدي، وليس الإسلامي.
ثانياً. من حيث الأشخاص.
كلنا يعلم أن تعليم القرآن والحديث في الدول الإسلامية مهمة مناطة بمعلمين متمرسين بعد تحصيل أكاديمي متخصص في تعليم النصوص الإسلامية من قبل الجامعات المعتمدة في الدولة المعنية. أما هنا، فما شاع الخبر هو عن تكالب الجامعات الكنائسية، وخاصة بهم التابعة للجناح اليميني المحافظ، أي المتطرف للكنيسة لتولي مهمة إعداد وترخيص هؤلاء الأساتذة. فحالياً تتكالب جامعة Deusto المملوكة للجمعية التبشيرية الكاثوليكية التابعة لجماعة “عمل الله الكاثوليك” بأن تعرض شهادة تأهيلية لتعليم الإسلام. أي بصريح العبارة الأشخاص الذين ستُناط بهم هذه المهمة الحنيكة سيكونون خريجين جامعات كنائسية يتم برمجتهم لتولي مهمة تغليف الإسلام وتقديمه للأجيال الجديدة لحل مشكلة الصعود الإسلامي ومواجهتها من الداخل. فهل يقبل أقباط مصر أن يتولى الأزهر إعداد المعلمين الذين تناط بهم مهمة تدريس تعاليمهم في المدارس المصرية؟ أم سيقبل بمثل هذا الأرمن في الأردن أم ألمارونييه اللبنانيين؟ طبعاً لا، لكن هنا في إسبانيا حيث يقطن بسطاء المهاجرين، يسهل التلاعب بسذاجة عقولهم ودس السُمِّ في هذا العسل الجميل.
ثالثاً. من حيث اللغة.
في الدول الإسلامية، أي غير العربية، من تركيا إلى ماليزيا، تعليم القرآن الكريم والحديث الشريف هو بوابة الأجيال لمعرفة العربية وارتباطهم بالهوية الإسلامية. حيث إن العربية لم تكن إلا الراية التي خرج بها الإسلام من الجزيرة لتعريب ألسنة الناس وضمّهم تحت لواء العقيدة. فباللغة العربية لا يقع أرتباط فقط بالقرآن والحديث، ولا يقتصر هذا على التعاليم الشرعية والمناسك، إنما وجود هوية أممية تربط فكر هذه الشعوب وتشق شراع الطريق. أضف إلى ذلك أن العربية ليست مِلك الإسلام فقط، فهي لغة اليهود والنصارى ومنهم المقيمين هنا من له الحق في أن يدرُس أبناءه لغته الأصل. وأضف إلى ذلك أن جميع دول العالم، وخاصة منهم إسبانيا نفسها تسعى جاهدة لتجنيد أبناءها المهاجرين أينما كانوا بتعليمهم اللغة الإسبانية؛ بينما أبناء العرب، وحتى سكان سبتة ومليلية منهم، محرومون من هذا الحق المنصوص عليه في المادة الثلاثين من الميثاق العالمي لحقوق الطفل لسنة 1989، بل وبالعكس، يقضي الفقرة الثالثة من الفرع الأول من المادة 29 من الإعلان بأن للطفل الحق في تعلّم احترام لغة وثقافة بلده الأصل أو بلد أسلافه، بينما كل النظام التعليمي الحالي في إسبانيا موجه للحطيط من الثقافة العربية والإسلامية التي لم يأفك الإسبان من الانتقاص والانتقام منها منذ خمس قرون مخالفة لأحكام الميثاق العالمي ومبادئ الدستور.
أما ما يُشرَع القيام به اليوم في إسبانيا فهو تعليم مبادئ الأفكار التي تغسل عقول الأجيال باللغة الإسبانية، أي بإحلال الإسبانية كلغة ربط بأفكار لا تمت أصلا للإسلام بصلة. وبهذا يتحقق بلوغ الهدف المطلوب بعزل هذه الأجيال عن الهوية الإسلامية وروح المجتمع الإسلامي بغسل عقولهم بأفكار مُغلَّفة تحت شعار التحديث الإسلامي والإسلام الأوربي الذي لا يمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد غير الإسم، بل سيضمن تهميش الأجيال بزجهم في دوامة البحث عن هوية بلا جدوى، وهو عين المقصود.
فأيُّ من مقارنة كانت لو تعلّمت الأجيال اللغة العربية، التي لن تكن فقط مفتاح تنوير لعقولهم وفتح أبواب العقيدة، الفكر والتأريخ أمامهم، بل وتحافظ على انتمائهم الأصلي بهويتهم. أضف إلى ذلك فلو فُتح باب تعليم اللغة العربية كغيرها من اللغات الأجنبية فكم من باب سيُفتح هذا لينظَمَّ له من غير المسلمين ممن سيقتربون إلى العربية، وبالتالي إلى الهوية العربية والإسلامية. لكن طبعاً هذا المطلب يُعدُّ أكبر خطر قد يَحُطُّ على تُجار الدين والممثليات المُتأسلمة وطبعاً ما لا يتناسب مع مشروع التدليس الكاثوليكي، بل سيُعَدُ فعلاً الكارثة التي ستصب على رؤسهم، مقابل هذه الكارثة التي خرجوا لنا بها اليوم؛ فأيهم أولى؟